Admin Admin
عدد المساهمات : 125 تاريخ التسجيل : 05/11/2013
| موضوع: منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدِّين الجزء الثالث الخميس 5 ديسمبر - 15:49 | |
| نص الدرس
الدرس الثالث من شرح منهج السالكين
ثم أخذ المصنف رحمه الله بالتفصيل لما تقدّم ، فقال : فشهادة أن لا إله إلا الله : عِلم العبد واعتقاده والتزامه : أنه لا يستحق الألوهية والعبودية إلا الله وحده لا شريك له الشرح : لما ذكر المؤلف رحمه الله الحديث المتفق عليه الذي بيّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم مباني الإسلام العِظام ، ذكر معنى لا إله إلا الله . بأنه عِلمُ العبد اليقني واعتقاده الجازم الذي يعقد قلبه عليه ويلتزمه ، بأنه لا معبود بحق إلا الله وبأنه لا يستحق العبادة إلا الله ولا يستحق التأليه والتعظيم إلا الله تبارك وتعالى قال سبحانه وتعالى : ( أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء ) أي أنهم لا يتّبعون شركاء على الحقيقة
( إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ )
فالخالق المالك المدبّر هو الذي يستحق العبادة فمن صرف شيئا من العبادة لغير الله فقد ثلم هذه الشهادة ، شهادة التوحيد . ومن أتى بناقض من نواقض لا إله إلا الله فقد أبطل شهادة التوحيد ، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم . فلا ينتفع العبد بهذه الشهادة ولا ينجو إلا بتحقيقها ، فليست مُجرّد كلمة تُقال باللسان . ثم قال المؤلف رحمه الله : قال الشيخ رحمه الله : فيوجب ذلك على العبد : الشرح : أي ذلك الاعتقاد الجازم يُوجب على العبد ويُحتّم عليه قال الشيخ رحمه الله : إخلاص جميع الدين لله تعالى الشرح : والإخلاص أن لا يقصد العبد بعمله إلا الله عز وجل قال الجرجاني في التعريفات : الإخلاص في اللغة : ترك الرياء في الطاعات . وفي الاصطلاح : تخليص القلب عن شائبة الشّوب المكدر لصفائه ، وتحقيقه أن كل شيء يتصور أن يشوبه غيره فإذا صفا عن شوبه وخلُص عنه يُسمى خالصا ، ويسمى الفعل المخلص إخلاصا . قال الله تعالى : ( مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا ) [ النحل : 66 ] فإنما خلوص اللبن ألاّ يكون فيه شوب من الفرث والدم . وقال الفضيل بن عياض : ترك العمل لأجل الناس رياء ، والعمل لأجلهم شرك ، والإخلاص الخلاص من هذين وألاّ تطلب لعملك شاهداً غير الله . انتهى كلامه رحمه الله . والإخلاص شرط في قبول العمل الصالح : قال اللّهُ تبارك وتعالى : أَنَا أَغْنَىَ الشّرَكَاءِ عَنِ الشّرْكِ . مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي ، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ . رواه مسلم . وقال عليه الصلاة والسلام : إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان لـه خالصا وابتُغي به وجهه . رواه الإمام أحمد وغيره .
سُئل الفضيل بن عياض عن قوله تعالى : ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ) فقال : هو أخلص العمل وأصوبه . قالوا : يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا وصوابا ، فالخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة . اهـ . وقد حرص السلف على إخفاء العمل الصالح إلا أن يكون في إظهاره مصلحة . وقد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى في شرح الحديث الأول من شرح العُمدة . ثم فسّر المصنف رحمه الله الإخلاص بلازِمِـه ، فقال : وأن يكون عِباداته - الظاهرة والباطنة - كلها لله وحده وان لا يشرك به شيئا في جميع أمور الدين وهذا أصل دين جميع الرسل وأتباعهم كما قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ) [الأنبياء : 25] .
الشرح : وإخلاص العمل أمان من سوء الخاتمة ، فقد روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا ، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ، ومال الآخرون إلى عسكرهم ، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه ، فقالوا : ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إنه من أهل النار ، فقال رجل من القوم : أنا صاحبه أبدا ، فخرج معه كلما وقف وقف معه ، وإذا أسرع أسرع معه . قال : فجُرح الرجل جرحا شديداً ، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه ، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أشهد أنك رسول الله . قال : وما ذاك؟ قال : الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار ، فأعظم الناس ذلك فقلت : أنا لكم به ، فخرجتُ في طلبه حتى جرح جرحا شديداً ، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه وضوء وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه ، فقتل نفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة .
قال ابن القيم : لو نفع العلم بلا عمل لما ذمّ الله سبحانه أحبار أهل الكتاب ، ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذم المنافقين . اهـ . فالمنافقون يقولون : لا إله إلا الله ، ولكنها لا تنفعهم لأنها غير خالصة لله عز وجل . وإخلاص العمل ينفع أحـوج ما يكون إليه صاحبه ، قال صلى الله عليه وسلم : من استطاع منكم أن يكون لـه خبيئة من عمل صالح فليفعل . رواه الحافظ الضياء في المختارة ، وهو في صحيح الجامع . أي أن يكون له عمل خالص بينه وبين الله عز وجل . قال الشيخ رحمه الله : وشهادة أن محمداً رسول الله الشرح : ثم ذكر المؤلف رحمه الله معنى الشق الثاني من شهادة التوحيد ، وهو شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : قال الشيخ رحمه الله : أن يعتقد العبد : أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع الثقلين - الإنس والجن - بشيرا ونذيرا يدعوهم إلى توحيد الله وطاعته بتصديق خبره وامتثال أمره . الشرح : هذا من معاني شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشهد العبد شهادة حق ، ويعلم علم يقين أن الله عز وجل أرسل محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام واصطفاه بالنبوّة وخصّه بالرسالة العامة إلى جميع الثقلين - إنسهم وجنّهم – ، ولذا فإنهم يوبّخون يوم القيامة ، كما في قوله سبحانه وتعالى : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ )
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : أي من جملتكم والرسل من الإنس فقط ، وليس من الجن رسل ، كما قد نصّ على ذلك مجاهد وبن جريج وغير واحد من الأئمة من السلف والخلف ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : الرسل من بني آدم ، ومن الجن نذر . اهـ .
وأن يعتقد العبد أن الله إلى جميع البشر – عربهم وعجمهم ، أحمرهم وأسودهم – إلى قيام الساعة . ويعتقد أن الله أرسله بشيراً لمن آمن به ، ونذيراً لمن عصاه وخالف أمره . كما قال تعالى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا )
وكما في قوله تبارك وتعالى : ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا )
فهو عليه الصلاة والسلام بشيرا لقوم ، نذيراً لآخرين . ثم قال المؤلف : وأنه لا سعادة ولا صلاح في الدنيا والآخرة إلا بالإيمان به وطاعته . الشرح : لو لم يكن في توحيد الله عز وجل وفي تحقيق الشهادتين إلا هذا المعنى لكفى فلا سعادة ، ولا صلاح ، ولا خيرية إلا بالإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبطاعته .
ولو علمت البشرية بهذا لحرصت عليه أشدّ الحرص ، وهي تتخبط في دياجير الظّلمات تلهث بحثاً عن السعادة والطمأنينة . قال الشيخ رحمه الله : وأنه يجب تقديم محبته على النفس والولد والناس أجمعين . الشرح : هذا مما يجب أن يعتقده العبد لتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين . رواه البخاري ومسلم . ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب ، فقال له عمر : يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك ، فقال له عمر : فإنه الآن ، والله لأنت أحب إليّ من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الآن يا عمر . رواه البخاري .
ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست بالدعاوى بل بالبيّنات وصدق المحبة وتقديم أمره على أمر كل مخلوق وتقديم طاعته على طاعة كل البشر قال ابن القيم – رحمه الله – : فالمحبة النافعة ثلاثة أنواع : محبة الله ، ومحبة في الله ، ومحبة ما يعين على طاعة الله تعالى واجتناب معصيته . والمحبة الضارة ثلاثة أنواع : المحبة مع الله ، ومحبة ما يبغضه الله تعالى ، ومحبة ما تقطع محبته عن محبة الله تعالى أو تنقصها . فهذه ستة أنواع عليها مدار محابِّ الخلق ، فمحبة الله عز وجل أصل المحابِّ المحمودة وأصل الإيمان والتوحيد ، والنوعان الآخران تبع لها . والمحبة مع الله أصل الشرك والمحابّ المذمومة والنوعان الآخران تبع لها . ومحبة الصور المحرمة وعشقُها من موجبات الشرك . وكلما كان العبد أقرب إلى الشرك وأبعد من الإخلاص كانت محبته بعشق الصور أشد .
وقال – رحمه الله – في قوله صلى الله عليه على آله وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين . متفق عليه
قال : فذكر في هذا الحديث أنواع المحبة الثلاثة ، فإذاً المحبة إما :
محبة إجلال وتعظيم ، كمحبة الوالد .
وإما محبة تحنن وود ولطف ، كمحبة الولد .
وإما محبة لأجل الإحسان وصفات الكمال ، كمحبة الناس بعضهم بعضا ، ولا يؤمن العبد حتى يكون حبّ الرسول عنده اشد من هذه المحابّ كلها .
وقال : فلا عَيْبَ على الرجل في محبته لأهله وعشقه لها إلا إذا شغله ذلك عن محبة ما هو أنفع له من محبة الله ورسوله ، وزاحم حبه وحب رسوله ، فإن كل محبة زاحمت محبة الله ورسوله بحيث تضعفها وتنقصها فهي مذمومة وإن أعانت على محبة الله ورسوله وكانت من أسباب قوتها فهي محمودة . انتهى
ثم ذكر المصنف ما يؤيد هذا الاعتقاد ويُرسّخه في القلب فقال :
وان الله أيده بالمعجزات الدالة على رسالته وبما جبله الله عليه من العلوم الكاملة والأخلاق العالية وبما اشتمل عليه دينه من الهدى والرحمة والحق والمصالح الدينية والدنيوية . الشرح : هذا أيضا مما يجب أن يعتقده العبد في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فيعتقد أن الله عز وجل أيّـد نبيه صلى الله عليه وسلم بالمعجزات الباهرة الدالّة على صدقه صلى الله عليه وسلم
ومن أعظم ما أجرى الله عز وجل على يديه من المعجزات : انشقاق القمر والإسراء والمعراج وتأييده بالملائكة تُقاتل معه ونبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام بين يديه ومنها : إخباره بما لم يقع ثم وقع ، ومنها ما كان في حياته صلى الله عليه وسلم ، ومنها ما وقع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم . قال الشيخ رحمه الله : وآيته الكبرى : هذا القران العظيم بما فيه من الحق في الأخبار والأمر والنهي . والله أعلم . الشرح : والآية هي العلامة فالقرآن أكبر وأظهر معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الباقية ولذا قال عليه الصلاة والسلام : ما من الأنبياء من نبي إلا قد أُعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إليّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة . متفق عليه . فأكبر علامات نبوته صلى الله عليه وسلم هذا القرآن العظيم ، فهو المعجزة الكبرى ، وقد تحدّى بها صناديد قريش وأقحاح العرب على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، أو أن يأتوا بعشر سور ، أو أن يأتوا بسورة من مثله ، فتحدّاهم بذلك ووقفوا موقف العاجز . ومن حاول أن يأتي بمثله أو يُجاريه صار أضحوكة للعرب بل للناس على مرّ الأيام ، كمسيلِمة الذي لا يُذكر إلا قُرن اسمه بالكذب فيُقال : مُسيلِمة الكذّاب ! والله تعالى أعلى وأعلم .
|
|
| |
|